الحديث الخامس
عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:2697]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1718].
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:"مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" .
هذا الحديث والذي بعده من أهم الأحاديث في هذا المتن .
وهذا الحديث أصل في باب البدع والتحذير منها .والذي يليه أصل في ترك الشبهات والتحذير من الوقوع فيها .
قوله ( أم عبد الله) تكنت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأم عبد الله وليس لها ولد .
والكنية مشروعة حتى للصغير ومن لا ولد له , فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكني بعض أصحابه بل يكني بعض الصغار من باب الملاطفة ، ولا يصح قول من قال إنها تكنت بعبد الله بن الزبير وهو ابن أختها ولا يمكن أن تكنى به ، ولا يصح كذلك من قال إنها أسقطت سقطا سمته عبد الله بل تكنت رضي الله عنها وليس لها ولد بهذا الاسم .
حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحدث في أمرنا ...) معنى قوله ( من أحدث ) يعني ابتدأ الشيء فالابتداء يسمى إحداثا ، لأنه يكون بعد أن لم يكن .
وقوله ( في أمرنا ) هل هو واحد الأمور التي هي الشؤون , وليس واحد الأوامر .ففي أمرنا في شأننا .
والمراد بشأننا يعني ديننا , لأن ديننا هو شأننا الذي نهتم له .
فمعنى قوله ( من أحدث في أمرنا ) يعني في ديننا ، قوله ( ما ليس منه ) يعني ما ليس من ديننا ، قال ( فهو رد ) يعني مردود ، فمن أحدث في ديننا ما ليس منه فإنه يكون مردود عليه هكذا أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم الفائدة بأن من أحدث في هذا الدين سواء كان في عقائده أو كان في عباداته أو في غيرها فهو مردودا عليه والسبب في هذا واضح فديننا والحمد لله كامل ليس بحاجة إلى تكميل أحد فلكمال هذا الدين يكون المحدث مردودا على أصحابه وأيضا مردودا عليه لأنه نصب نفسه مشرعا والمشرع هو الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فلأجل هذين السببين يكون ما أحدثه مردودا عليه .
وقال في رواية لمسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )
قوله ( من عمل عملا ) شامل بأن يكون العمل الذي يعمله هو الذي أحدثه أو أحدثه غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الرد بالعمل ولم يعلقه بالإحداث من غيره فيكون الحديث بلفظيه كل يؤدي معنى .
وقوله ( من أحدث في أمرنا ) يعني من ابتدع ،وقوله ( من عمل عملا ) هو أعم وأشمل كما ذكرنا ومثال ذلك صلاة لم تكن معروفة فالذي أحدث هذه الصلاة هو المخاطب في حديث (من أحدث ...) ، والذي يعمل بهذه الصلاة ويتعبد بها هو المخاطب في حديث ( من عمل ...) فالحديث بلفظه الأول يخاطب المبتدع ، وبلفظه الثاني يخاطب المبتدع وكذلك من عمل هكذا يفرق بين اللفظين مع أن الحديث بلفظه الأول يصح أن يخاطب به من أحدث العمل ومن عمل به لكن لما اجتمع اللفظان يحسن التفريق .
والخلاصة أن هذا الحديث حديث عظيم وسياج منيع لكن من أراد أن يحدث في الدين في القديم والحديث سواء كان في العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق.
فالدين كامل والحمد لله. ا.هـ